المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

التوازن المفقود فى الحوار المجتمعى

الخميس 10/مارس/2016 - 01:04 م

مثلما سادت فى المجتمع المصرى بعد ثورة 25 يناير ظواهر غريبة وشاذة سياسية واجتماعية وثقافية بعدما اختلطت الثورة بالفوضى يسود فى الوقت الراهن بعد مرحلة ما بعد 30 يونيو مناخ فوضوى تسوده المزايدات الرخيصة والبذاءات المستفزة والمبادرات التافهة. ويشارك الكل فى هذه الفوضى العارمة الأحزاب السياسية الحقيقية أو الوهمية، وأفراد النخبة السياسية القديمة وصورها المستنسخة فى صورة النشطاء السياسيين، والإعلاميين سواء فى الصحافة المقروءة أو فى الفضائيات بل والجمهور العادى الذى يغرق كل ليلة ساعات طويلة فى محيط «الفيس بوك» الحافل بالشائعات، والزاخر بالبذاءات، والمترع بأصحاب الحكمة السياسية من الهلافيت والنكرات وأنصاف المتعلمين الذين يظنون وهما أنهم يمتلكون فكرا سياسيا أكثر عمقا من المفكرين والأساتذة المتخصصين.

حالة من حالات التردى الأخلاقى، وجو غالب تسوده التفاهة والوقوف عند الحوادث الصاخبة، وتجاهل أمور الوطن العظمى التى تحتاج إلى حوار مجتمعى مسئول من قبل جميع أطراف النظام السياسى.

لقد عرضنا سابقا فى سلسلة مقالات مترابطة نظريتنا عن معالم النظام السياسى الجديد بعد إصدار الدستور وتولى الرئيس «عبد الفتاح السيسى» رئاسة الجمهورية وبدأناها بمقال بعنوان «عودة الدولة التنموية» (نشر بتاريخ 27 أغسطس 2015).

وقلنا إن المهمة الرئيسية كما ظهر من المبادرات الخلاقة للرئيس «السيسى» فى المشروعات القومية أنه يرى أن الدولة لابد أن تركز تركيزا شديدا على التنمية تخطيطا وتنفيذاً، وذلك لمواجهة الموقف المتردى فى البلاد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافياً. وكان إعلانه المبكر عن مشروع قناة السويس الجديدة الذى احتضنته جماهير الشعب المصرى -واعتبرته مشروعها القومى وأقبلت على الاكتتاب فيه إقبالاً منقطع النظير- إشارة مبكرة إلى عودة الدولة التنموية التى تعتبر أن قيامها بمشروعات التنمية المستدامة تخطيطا وتنفيذا مع عدم استبعاد القطاع الخاص هى مهمتها الأساسية.

وأعلن من بعد عن مشروع الثلاثة ملايين فدان، وعن شبكة الطرق العملاقة، وعن تجديد المطارات والموانئ، مما عد إشارة مهمة لجدية الدولة فى ترسيخ قواعد البنية التحتية حتى يتحمس المستثمرون مصريين وعربا وأجانب لضخ رؤوس أموالهم فى مشروعات متعددة باعتبار مصر بلداً جاذبا للاستثمار.

غير أننا تحفظنا وقلنا بصريح العبارة إن الدولة بعد 30 يونيو وفى ظل قيادة «السيسى» الملهمة لن تستطيع بمفردها القيام بعملية التنمية المستدامة. لذلك دعونا الأحزاب السياسية لكى تتجدد وتصبح أحزابا تنموية تبلور رؤاها فى مجال التنمية حتى تستطيع أن تدخل فى عملية نقد اجتماعى مسئول للرؤية التنموية التى تطرحها الدولة. ليس ذلك فقط ولكن عليها أن تعد كوادرها للنزول إلى الجماهير العريضة وتسهم فيها فى إقامة مشروعات متوسطة أو صغيرة دعما لجهود التنمية القاعدية.

ودعونا أيضا مؤسسات المجتمع المدنى أن تتوقف عند القناعة بمطالبها الحقوقية الخاصة بالدفاع عن حقوق الإنسان، وأن تدرك أن حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لا تقل أهمية. ولذلك عليها أن تتجدد وأن تكون لها مشروعات تنموية تحصل على التمويل اللازم لها من الاكتتاب الشعبى. ودعونا أيضا النخب السياسية بكافة اتجاهاتها أن تتجدد معرفيا وسياسيا وأن تهتم بالسياق العالمى بما يمور فيه من تغيرات كبرى سياسية واقتصادية وثقافية ليس ذلك فقط ولكن فهم منطقها، ومن ناحية أخرى لابد أن نعى خطورة المرحلة التاريخية التى يمر بها النظام العربى حيث انهارت على الأقل انهيارا تاما أربع دول عربية هى ليبيا واليمن وسوريا والعراق، وأصبحت المرحلة القادمة تقتضى التركيز على عملية إعادة بناء الدول الوطنية.

ودعونا النخب الثقافية أن تتجدد وتدرك دورها فى المعركة الثقافية الكبرى الدائرة الآن فى المجتمع بين أنصار الدولة المدنية التى نجحت 30 يونيو فى الحفاظ عليها، ودعاة الدولة الدينية المنهارة التى سقطت بسقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين. وهذه المعركة تقتضى وضع أسس للقيام بثورة تعليمية كبرى والانتقال من العقل «الاتباعى» الذى تركز عليه التيارات الدينية المتخلفة سواء فى ذلك تيار الإخوان المسلمين أو التيار السلفى والذى يقوم على النقل وليس على العقل، وتأسيس العقل «النقدى» الذى يطرح كل شىء للمساءلة.

وذلك بالإضافة إلى وضع أسس سياسية ثقافية متكاملة تواجه التطرف والذى هو المقدمة الضرورية للإرهاب. كانت هذه هى دعوتنا لكل أطراف النظام السياسى أن تتقدم بجسارة وتتبنى اتجاها تنمويا ملتزما يسمح لكل منها بأن تمارس الحوار النقدى مع الدولة فى مجال تخطيط وتنفيذ رؤيتها التنموية.

وقد وجهت بعض الأصوات السياسية والمنابر الإعلامية النقد للرئيس «السيسى» على أساس أنه لم يقدم رؤية تنموية متكاملة.

وجاء خطاب الرئيس الأخير بمناسبة إعلانه لخطة التنمية المستدامة لمصر 2030 فإذا بكل الأصوات السياسية والإعلامية- بلا استثناء واحد -تركز على مفردات خطاب «السيسى» المرتجل والذى كان زاخراً بتوجيه رسائل متعددة سواء بالنسبة للإعلاميين الذين انحرفوا فى أداء رسالتهم الإعلامية مخالفين فى ذلك كل القواعد المهنية، بالإضافة إلى توجيه النقد إلى الأصوات السياسية التى تمرست على ممارسة النقد السياسى الذى لا يستند إلى أى أساس.

ومع ذلك انغمس الإعلام المقروء والتليفزيونى فى مناقشة حوادث صاخبة تافهة مثل القبض على إحدى الممثلات، وأسوأ من ذلك قيام معارك على الفضائيات بين مقدمى البرامج وتحولهم إلى مجموعة من «البلطجية» الذين يمارسون اتهام بعضهم البعض باستخدام البذاءات، والتهديد بفضح الأسرار الخفية للمتصارعين.

ودعك عن الفتاوى التافهة سياسية كانت أو فكرية التى تنفصل كل «مقدم برنامج» بحكم احتكاره للميكروفون، مع أن أغلبهم من أنصاف المتعلمين والذين لا يستندون إلى أى خلفية فكرية عميقة تسمح لهم بعرض آرائهم فى أى موضوع بكل تفاهة وسطحية.

ولو تأملت فى بعض رموز مقدمى البرامج لوجدت أن أحدهم على سبيل المثال- ليس له أى مؤهلات فكرية أو إعلامية، بل إن أحداً منهم ممن يتقاضى الملايين سنويا يصدق عليه كلمة «طه حسين» هو «جاهل رضى عن جهله ورضى عنه جهله».!

أما النخب السياسية فآخر مبادراتها الخائبة الدعوة إلى تأسيس بديل مدنى! وهكذا ضاعت الأفكار الاستراتيجية التنموية التى طرحها الرئيس «السيسى» فى خضم التفاهات السائدة فى مجتمع يمر بمرحلة فوضوية عارمة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟