المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

البحــث عن أجنـــدة نيابيـــــة متكامـــلة

الخميس 17/ديسمبر/2015 - 03:21 م

نحن بحكم خبرتنا العلمية والسياسية أول من يعرف السلبيات المتعددة التى صاحبت انتخابات مجلس النواب المصرى وهى الخطوة الثالثة الحاسمة فى استكمال خريطة الطريق التى أعلنت فى 3 يوليو بعد نجاح الجماهير المصرية الغفيرة فى إسقاط الحكم الإخوانى الديكتاتورى فى 30 يونيو.

وهذه السلبيات التى أشرنا إليها مصادرها متعددة، وبعضها يرد إلى تدنى الوعى الاجتماعى لشرائح جماهيرية عريضة وغياب البرامج السياسية للأحزاب والتى تلبى احتياجات الناس وتتضمن حلولاً عملية لمشكلاتهم، والبعض الآخر يرد إلى تأثيرات المال السياسى فى مجال «شراء» المرشحين ورشوة الناخبين.

ومع كل ذلك يمكن القول إن الانتخابات أسفرت عن نتائج إيجابية تتمثل فى فوز عدد كبير من النواب أصحاب الخبرة السياسية والكفاءة المهنية، بالإضافة إلى تمثيل قوى للمرأة والأقباط وذوى الاحتياجات الخاصة.

ولذلك ندعو إلى أن نتحلى كباحثين ومحللين سياسيين ومثقفين بصورة عامة بنظرة إيجابية للأدوار المهمة التى يمكن لمجلس النواب أن يقوم بها لو استطاع أن يتبنى أجندة عمل متكاملة تسعى لتحقيق الأهداف الكبرى لثورة 25 يناير، والتى قام بها الشعب فى مجموعه. ومن ثم فلا وصاية لأحد عليها سواء كانوا أفرادا أو جماعات أيا كانت، عليها لأن إسقاط النظام القديم تم فى ميدان التحرير بحكم الضغط المتواصل للجماهير الحاشدة.

ونريد فى هذا المقال تقديم عدد من المقترحات التى يمكن أن تساعد فى صياغة أجندة نيابية متكاملة.

وفى تصورنا أن السبب الحقيقى فى تذبذب السياسات فى مصر وفشلها فى إشباع الحاجات الأساسية للجماهير هو غياب الرؤية الاستراتيجية، وهى مفهوم محورى فى العالم المعاصر، وبناء عليه صاغت عديد من الدول رؤاها الاستراتيجية والتى تتضمن تحديداً دقيقا لسياسات الدولة فى الأعوام العشرين المقبلة.

ولو طالعنا الأدبيات العالمية لاكتشفنا أن الولايات المتحدة الأمريكية لها رؤية استراتيجية منشورة وكذلك الصين والهند والاتحاد الأوروبى، بل إن هناك دولا تنتمى للعالم الثالث مثل ماليزيا عندها رؤية استراتيجية.

وقد أثرنا موضوع أهمية صياغة رؤية استراتيجية مع الرئيس السابق «مبارك» فى اجتماع عقده مع مجموعة من المثقفين المصريين واقترحت إنشاء المجلس الأعلى للتخطيط الاستراتيجى ووعد ببحث الموضوع ولم ينفذه. وحين جاء حكم الإخوان المسلمين عقد الرئيس المعزول «محمد مرسى» اجتماعا حاشدا مع مجموعة كبيرة من المثقفين والسياسيين والفنانين وقد حضرت هذا اللقاء ودعوته لعقد مؤتمر لمناقشة الرؤى الاستراتيجية التى سبق لفرق بحثية وطنية أن وضعتها، وفى مقدمتها التخطيط العمرانى لمصر فى الأعوام الخمسين المقبلة والذى أشرف عليه الدكتور «فتحى البرادعى» أستاذ التخطيط العمرانى ووزير الإسكان الأسبق وهى منشورة فى أربعة مجلدات. وكذلك مشروع مصر 20-30 والذى أشرف عليه المفكر المستقبلى الراحل الدكتور «محمد منصور» حين كان مديرا لمركز الدراسات المستقبلية التابع لمركز دعم القرار بمجلس الوزراء. ووعد الرئيس المعزول ببحث الموضوع ولم يفعل شيئاً.

ومن هنا آن الأوان أن يتبنى مجلس النواب المنتخب هذه الدعوة لأهميتها القصوى فى تحديد سياسات مصر الخارجية والداخلية، وفى وضع الأساس لخطط التنمية المستدامة وفق خريطة تنموية تخضع للحوار المجتمعى قبل إقرارها لضمان أن التنمية ستكون لصالح الجماهير العريضة ولن تقتصر ثمارها على القلة من رجال الأعمال وأهل السلطة كما كان يحدث فى الماضى.

والمهمة الثانية لمجلس النواب هو أن تعكف لجانه المتخصصة -وفيها خبرات متميزة- على التشخيص الدقيق للمشكلات الراهنة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الراهنة التى تواجه المجتمع فى ضوء التطبيق الدقيق للمؤشرات الكمية والكيفية.

ويكفى باستخدام هذه المؤشرات وبناء على تقديرات الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء- أن نعرف أن معدل الأمية فى مصر 26%، وأن هناك 26 مليون مصرى تحت خط الفقر، و18 مليون مصرى فى العشوائيات.

وهذا التحديد الدقيق للمشكلات الراهنة هو المقدمة الضرورية لوضع الحلول الفعالة لمواجهتها وذلك بالاستعانة بالخبراء فى كل المجالات، ولدينا مجموعات منهم على أعلى مستوى مهنى ولديهم تصورات عملية قابلة للتنفيذ.

ومن ناحية ثالثة لابد من التحديد للمشكلات الكبرى التى ينبغى لمجلس النواب وللحكومة أن يتصديا لها وهى أولا الفقر الذى يسود بين ملايين المصريين. ومكافحة الفقر أصبحت مشكلة عالمية تصدت لها الأمم المتحدة بوضع استراتيجيات متعددة يمكن الاستفادة منها.

والمشكلة الثانية هى البطالة وخصوصاً بين أجيال الشباب، ووفقا لما يراه علماء الاجتماع العالميون أن المجتمع الذى تزيد فيه معدلات البطالة بين الشباب بعد من «مجتمعات الخطر» risk society لأن هذه البطالة من شأنها ألا تساعد على استقرار المجتمع بل -على العكس- هى تتسبب فى اضطرابات اجتماعية واسعة المدى نتيجة لليأس والإحباط لدى من لا يجدون فرصة للحياة.

 

والمشكلة الثالثة هى الإصلاح الإدارى وفق خطة متكاملة لأن جهاز الدولة المترهل والذى يضم 6 ملايين موظف أصبح من بين معوقات التنمية نتيجة نقص الكفاءة وغياب السياسات المتكاملة.

وفى هذا المجال لابد من التركيز على إعادة الصياغة الكاملة للمجالس المحلية التى عجزت عن الوفاء باحتياجات السكان.

وتبقى مشكلة المشاكل وهى شيوع الفساد فى مختلف جنبات المجتمع من أول السلوك المنحرف لرجال الأعمال الذين تواطوا مع أهل السلطة فى عصر الرئيس السابق «مبارك» على نهب أراضى الدولة وواكموا الثروات الحرام، وذلك بالإضافة إلى كبار الموظفين الذين يسيئون استخدام سلطاتهم ويهدرون المال العام.

وليس هناك من شك فى أن مكافحة الفساد أصبح هدفا عالميا تسعى إلى تحقيقه كافة الحكومات بالإضافة إلى الهيئات الدولية وهى مسألة لها الأسبقية القصوى.

وذلك لأن جهود التنمية القومية -مهما أحسن تخطيطها- يمكن ألا تؤدى إلى الغاية منها إذا ما تسللت شبكات الفساد إلى مجال تنفيذ المشروعات المختلفة. ويبقى أخيرا- وقد يكون أولا- أهمية صياغة سياسة ثقافية متكاملة للقضاء على الأمية ورفع الوعى الاجتماعى وتحصين الجماهير ضد نزعات التطرف والتى قد تؤدى إلى ممارسة الإرهاب.

وقد سبق لى - بتكليف من المجلس الأعلى للثقافة الذى أشرف بعضويته منذ سنوات وضع سياسة ثقافية مقترحة للدولة، وذلك حين كان الدكتور «جابر عصفور» وزيرا للثقافة، وقد نوقشت هذه السياسة مرتين فى المجلس الأعلى للثقافة، وطبعت منها الوزارة آلاف النسخ وطرحتها للحوار المجتعى الواسع المدى.

غير أن التغيير المستمر لوزراء الثقافة أدى إلى عدم استكمال المشروع بناء على الملاحظات النقدية التى أبديت عليه واعتمادها وتطبيقها.

لقد كان شعار هذا المشروع أنها سياسة ثقافية «جماهيرية» تتوجه أساسا إلى الجماهير العريضة ولا تقتصر على الاهتمام بالنخبة المهتمة بالثقافة الرفيعة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟