ألقت قضية الإرهاب بظلالها على قمة المناخ المنعقدة في باريس منذ مطلع الأسبوع. وفي وقت لا يختلف عاقلان على أن التهديدات التي تواجهها البيئة العالمية أكثر بشاعة وخطورة على مدى بعيد، فإن التهديد الإرهابي الملح فرض نفسه أولوية، ووجّه اهتمام الرأي العام بعيداً من قضية اختلال المناخ وعواقبها الوخيمة على ارتفاع درجة حرارة الأرض ومنسوب مياه البحار.
المدافعون عن البيئة الذين جرى تقليص تحرّكاتهم لدواعٍ أمنية على هامش القمة، كان لديهم ما يقولونه في هذا الإطار، انطلاقاً من تحذيراتهم المتزايدة من أن الاختلال المناخي يشكل في حدّ ذاته، مصدر تهديد للسلم والأمن حول العالم.
ومن المؤسف أن موضوع الإرهاب الذي بات متلازماً قسراً مع استدعاء حلّ في أزمات المنطقة، كان موضع انشغال القادة العالميين المجتمعين في باريس، في وقت كان يتعين أن يركّزوا كل اهتمامهم على أجندة القمة البالغة الأهمية، والتي تُعنى بمصير الإنسانية جمعاء.
يكفي أن نعلم أن الفشل في اتخاذ إجراءات حاسمة في حماية البيئة من شأنه أن يحول دون تجنّب تفاقم ظواهر مناخية يشهدها العالم حالياً، كالاحتباس الحراري وذوبان جبال الجليد، ما يهدّد بمزيد من الفيضانات وارتفاع منسوب المحيطات، وبالتالي اختفاء جزر عدة في المحيط الهادئ، فضلاً عن انقراض فصائل حيوانات ونباتات بسبب الجفاف وتكثّف التقلبات المناخية العنيفة، وصولاً على المدى البعيد الى تحذيرات عدد من الخبراء من أن العالم قد يصبح غير صالح للحياة.
هذا في الجانب التقني، أما في الشق السياسي فإن كثراً من الخبراء يعتقدون أن تسمية «مؤتمر المناخ» تخفي قدراً كبيراً من النفاق من جانب الدول الكبرى، التي تغدق وعوداً تتناقض كليّاً مع ممارساتها.
على مدى 17 سنة، تتالت المؤتمرات التي كان المطلب الأساسي فيها التوصّل إلى اتفاق بديل من «بروتوكول كيوتو»، أي أن يكون ملزماً لجهة تحقيق هدف الحدّ من الارتفاع في حرارة الأرض بما يراوح بين درجتين وثلاث درجات، عما كانت عليه قبل الثورة الصناعية.
وفي هذا الإطار، فإن المسؤول الأول عن الاختلال المناخي هو الدول الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة التي احتلت طويلاً رأس قائمة الدول الملوّثة للبيئة، قبل أن «تتفوّق» عليها الصين. ويلي الدولتين، الاتحاد الأوروبي ثم اليابان التي ماطلت طويلاً قبل الإعلان أنها في صدد تنفيذ إجراءات للحدّ من انبعاث غازاتها الصناعية المؤذية.
وما يفاقم انعدام مسؤولية الدول الكبرى، أنها علمت منذ لحظة توقيع «بروتوكول كيوتو» أنه ينتهي في العام 2012، وأن من الضروري التوصّل إلى اتفاق ملزم أفضل منه، لكن ما حصل هو أن لدى وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، كان أول ما فعله هو إلغاء توقيع سلفه بيل كلينتون على البروتوكول، في حدث غير مسبوق.
والكارثة أن تكون الممارسات السياسية السائدة، نموذجاً لانعدام المسؤوليّة لدى الدول الكبرى تجاه قضية المناخ، وهو أمر يدعو الى اليأس. ومن الواضح أن تفاقم الفوضى والاضطرابات في العالم، إلى حدّ يهدّد الحاضر والمستقبل، لا ينعكس في تصرف «الكبار» بحس كافٍ من المسؤولية، بل انطلاقاً من مصالح ضيّقة، ناهيك عن «لا مسؤولية» أخلاقية وإنسانية.
والمضحك المبكي، ذلك الانكشاف الفظيع للأنانية لدى العواصم الكبرى التي تركز همّها على أمور ثانوية كاحتواء الخلافات بينها، وتنصرف عن مصائر الشعوب، بما فيها شعوبها التي ليست في مأمن هي أيضاً، من عواقب العبث بالبيئة. نقلا عن الحياة