بعد التحوّلات في المشهد العربي: مسارات جديدة لاستشراف مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي
تقديم
منذ قامت الثورات العربية دار سؤال مهم حول مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي في ضوء تداعيات هذه الثورات وما يمكن أن تفضي إليه خاصة، وأن أغلب هذه الثورات لم تستقر أحداثها بعد بل على العكس شهدت مدا سلبيا ما زال قائما، كما أن الصراع العربي الإسرائيلي دخل مرحلة جديدة تجاوزت السعي لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وإنما امتد ليكون صراعًا مفتوحًا لن تحسمه خيارات التسوية فقط بل سيظل مرتبطًا بآليات أخرى وأدوات جديدة غير المتعارف عليها من قبل، خاصة وأن الصراع العربي الإسرائيلي صراعًا معقدًا ومتشابكًا وصراع على الوجود وليس فقط الحدود أو إقرار تسوية أخيرة يخرج فيها كل طرف بحساباته ومعطياته ليحقق مكسبًا على حساب الطرف الأخر في ظل حالة من الخلل البنيوي الراهن في معادلة توازنات القوى بين الطرفين العربي والإسرائيلي واتجاه عربي للتعامل مع ملفات الصراع على أنها قضايا مٌرحلة ومؤجلة وأنها لا تحتل الأولوية الراهنة .
تسعى هذه الدراسة لاستكشاف وتحليل نمط تأثير التطورات العربية الحالية والمستقبلية على الصراع العربي الإسرائيلي، وتوجهاته في المرحلة المقبلة خاصة وأن الصراع العربي الإسرائيلي سيتحدد من الآن فصاعدًا بنتائج هذه التطورات وما سوف تذهب إليه هذه التطورات العربية.
أولاً- المشهد العربي قبل التطورات الحادثة في نطاق الإقليم
اتسم المشهد العربي في مجمله قبل التطورات الراهنة بالانقسام اللافت على مستوى علاقات الدول العربية إذ كان واضحًا أن هناك دول محور الاعتدال في إشارة لدول مجلس التعاون الخليجي ومصر، بالإضافة الاردن في مواجهة محور محافظ يضم سوريا + الفصائل الفلسطينية + حزب اللـه + لبنان وغيرها وهذين المحورين عبر كل منها عن سياسات ومواقف عديدة إذ حاول كل محور أن يفرض توجهاته على إطار وهيكل النظام الاقليمي العربي، والذي بات يواجه إشكالية الاستمرار، وانعكس ذلك بوضوح في عدة مسارات على النحو التالي:
1. التنسيق والتفاهم المصري الخليجي الأردني في مواجهه التحديات التي طرحها المحور الآخر المحافظ الذي يحظى يدعم السياسات الإيرانية المباشرة.
2. ارتباط المحور المحافظ بالسياسات الخاصة بفصائل المقاومة وحزب اللـه، ودخول التحالف السوري في صدارة المشهد العربي، وأثر بتداعياته على أغلب إن لم يكن كل السياسات العربية.
والواضح أن أيًا من المحورين فشلا واقعيًا في فرض وجهة نظره على المحور الآخر ورسم الواقع الراهن لتقديراته بل بالعكس انهارت كل الحسابات والتقديرات وأسفر في مجمله مزيدًا من الشقاق والتشرذم العربي.
وفي مقابل هذين المحورين انكفأت الدول العربية على ذاتها وتوجهاتها، ولم يظهر لها دور أو اتفاق مبدئي ولو نظريا تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، خاصة وأن المواجهة العربية الإسرائيلية اختزلت في تنظيمات المقاومة الفلسطينية ومواجهتها من آن لآخر لإسرائيل وهو ما اتضح جليًا في مرحلة ما بعد حرب غزة الأخيرة، وإقرار الهدنة بين الطرفين وتمسك كل جانب بمواقفه والحفاظ على الحد الأدنى من المواجهة دون الدخول في مواجهة كاملة لحسم هذا الخيار أو ذاك.
ثانياً- المشهد العربي بعد التطورات الهيكلية في النظام الإقليمي
أدت الأحداث التي شهدتها دول الثورات العربية إلى تغيرات هيكلية في نمط السياسات الخارجية لتلك الدول بينها وبين العالم الخارجي، وكذلك على المستوى الثنائي خاصة أن أغلب هذه الدول لم تكن تملك سياسة خارجية واضحة المعالم واتسمت بالتبعية والنمطية ولم يكن قرارها حرًا .
وقد أثبتت سنوات الصراع الطويلة الماضية أن العالم العربي في حاجة لصياغة جديدة للتعامل مع التطورات الجديدة فباستمرار الأوضاع في دول الثورات العربية وخارجها على ما هي عليه سيؤثر لا محالة على التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي فالمسألة لم تعد فقط احتلال واستيطان ومفاوضات عبثية وإنما سعيٌ دولي (أمريكي – إسرائيلي) بالأساس لتوظيف الأجواء الراهنة للتوصل إلى تسوية عاجلة ومنقوصة ومباشرة دون الإركان إلى أيه ثوابت أو قرارات أو معطيات الصراع بل بالعكس تصفية جوهر القضية وأهمها حق العودة واستمرار الاستيطان، وتكفي هنا الإشارة إلى "اتفاق الإطار" الذى قدمه وزير الخارجية الأمريكي للطرفين للتوصل لاتفاق سلام نهائي يضع الأولويات الأمنية الإسرائيلية على المحك رافضًا الإقرار بدولة فلسطينية متواصلة والاقرار بوجود دولي – إسرائيلي – أوربي في منطقة الأغوار وإقامة دولة على جزء من الأرض في ظل غياب عربي لافت للنظر مصري بالأساس مقابل دور للأردن .
في هذا الاطار شهدت العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية الأخيرة جملة من التطورات على المسار الفلسطيني، حيث سعت السلطة الفلسطينية للقيام بدورها داخليا حيث عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية اجتماعه الدوري بهدف تقييم الخطوات الفلسطينية ودعم موقف السلطة في السيطرة علي كامل أراضي الضفة والقطاع حيث أوصى المجلس في خاتمة اجتماعه وعبر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير المكلفة بتنفيذ قرارات المجلس بوقف التنسيق الأمني مع الحكومة الإسرائيلية، وإلزام إسرائيل دوليا بدورها كدولة احتلال وهو ما يعني فعليا المساس باستحقاقات أوسلو وملاحقها السياسية والأمنية ودخلت السلطة الفلسطينية في عدد من الاتفاقيات المباشرة مع الأمم المتحدة وبدعم قطري لدخول السلع المطلوبة لقطاع غزة واتفقت السلطة الفلسطينية مع المبعوث الأممي على تنفيذها علي مراحل لما تم الإعلان عنه وبتوافق مع الحكومة الإسرائيلية التي أعلنت عن خطة لتوسيع بعض المعابر من تجاهها وخاصة معبر كيرم أبو سالم وصوفيا، ونجحت حركة الجهاد الفلسطيني، وعقب زيارة وفد رسمي لمصر في فتح معبر مرحلي وتدريجي لمعبر رفح مما يعني قرب التوصل لاتفاق أولي يفضي بدخول قوات من حرس الرئاسة على المعبر وبمشاركة مصرية أوربية مرحلة اختبار للجانب الفلسطيني وخاصة من قبل حركة حماس وإعلان السلطة الفلسطينية عن خطة شاملة لاستكمال مسار المصالحة مع حركة فتح، حيث تواصلت اللقاءات السياسية والأمنية لدعم حكومة التوافق الوطني على الأرض والعمل على تسهيل مهامها مما يؤكد على نهج السلطة في استكمال مسار المصالحة برغم القيود التي تفرضها حركة حماس على عمل حكومة التوافق الوطني وتحديد مجالات حركتها في قطاع غزة، كما توصلت الحكومة الفلسطينية لصيغة مرحلية بتوفير متطلبات الجهاز الإداري داخل القطاع بعد أن تجمدت رواتب الموظفين منذ عدة أشهر مما أكد على خط حكومة التوافق الوطني على تهيئة الأجواء بين فتح وحماس لاستئناف مساعي المصالحة الفلسطينية واقعيا.
كما شهدت التطورات الفلسطينية الداخلية عددا من التطورات منها تحرك القوى الفلسطينية إزاء الأطراف الإقليمية، حيث استؤنفت العلاقات بين حركة حماس وإيران بهدف الحصول على دعم إيران وموازنة تحرك حركة الجهاد الفلسطيني في الداخل والتخوف من انحسار دورها في داخل القطاع وتحرك السلطة الفلسطينية تجاه تركيا بهدف الحصول على دعم تركيا في مشروع إعمار قطاع غزة، وبدأت تركيا في ضخ مساعداتها المقررة عقب زيارة الرئيس محمود عباس لتركيا، حيث كشف التحرك عن مسعى السلطة الفلسطينية لإحداث توازن في نمط علاقات تركيا بكل من حركتي حماس والجهاد، وتجاوب الأطراف الفلسطينية إزاء الدور السعودي الجديد مع تولي الملك سلمان بن عبد العزيز، حيث كشفت الاتصالات السعودية مع كل من السلطة متمثلة في الرئيس محمود عباس وقيادات من حركة حماس عن احتمال إقدام السعودية على استئناف مساعيها للوساطة تكرارا لتجربة اتفاق مكة، وتجاوب الأطراف الفلسطينية مع التحرك القطري المباشر في التوصل لاتفاق شامل لبدء مشروع إعمار قطاع غزة وبتراضي إسرائيلي وحضور قطري بارز بالتنسيق مع الأمم المتحدة، وأقدمت حركة الجهاد الفلسطيني على لعب دور الوسيط بين مصر وحركة حماس، حيث تم التنسيق بين الحركة التي تتسم علاقاتها مع مصر بالدفء والتفاعل الإيجابي الدائم على فتح معبر رفح، وهو ما تم حيث تسعى حركة الجهاد الفلسطيني إلى تحسين العلاقات بين مصر وحركة كما قام مجلس الدولة في مصر، وهو جهة حكومية بالطعن على حكم قضائي صدر باعتبار حركة حماس حركة إرهابية يحظر التعامل معها - وهو ما يشير وفقا لمصادر فلسطينية - عن احتمال إعادة النظر في التعامل مع حركة حماس وفصل ما هو قضائي عما هو سياسي بما يفتح الباب أمام التعامل المصري الأمني والسياسي مع حركة حماس لاحقا.
وعلى المسار الإسرائيلي شهدت إسرائيل انتخابات تشريعية مبكرة إثر استمرار الخلاف داخل معسكر اليمين الإسرائيلي في الكنيست وخارجه حول جملة القوانين التي تقدمت بها حكومة نتانياهو، ولم تلق قبولا من داخل تجمع ليكود ذاته بما في ذلك قانون قومية اسرائيل والمناطق المعقمة والمساواة.
ومن المتوقع أن تستمر هذه الحكومة على النهج نفسه للسياسة الخارجية مع اتخاذ موقف متشدّد إزاء تقديم أي تنازلات للجانب الفلسطيني.
ومن الواضح أن هذه الحكومة ستكون ضعيفة ولا تعود أسباب الهشاشة لعدم دخول ليبرمان وحزبه الحكومة، وإنما لأن الاختلافات بين صفوفها حادة لدرجة يصعب التوفيق بينها.
إن المعركة الفعلية داخل الحكومة ليس فقط بين هذه الحكومة ومعارضيها وإنما أساسا داخل الحكومة والائتلاف فانعدام المعيار فيما حصل عليه كل من الأحزاب من انجازات داخل الحكومة يثير خلافات يصعب تلافي عواقبها لاحقا.
إن الاتفاق الائتلافي بين أعضاء الحكومة الجديدة في إسرائيل، عدا المناصب، يتضمن أمورا وبنودا لها تكاليف مالية باهظة جدا، وهي في بعض الحالات تعارض توجهات جانب من أعضاء الائتلاف وعلى سبيل المثال فإن الاتفاق مع يهدوت هتوراه تضمن بنودا مالية بينها إعادة تمويل المدارس الدينية ومخصصات الأطفال وإلغاء العقوبات المالية المتضمنة في قانون التجنيد، وهذه الالتزامات تقدر بالمليارات وكذا الأمر مع شاس والبيت اليهودي الذي يطالب كل منها بحصة من الميزانية لإرضاء القطاع الذي يمثلونه، وبدهي أن كحلون الذي سيتولى وزارة المالية سيكون له رأي آخر في كل هذا المخصصات، وفي الاجمال فالاتفاقات الائتلافية تكلف ما لا يقل عن 6.2 مليار شيكل سنويا منها 2.7 مليار شيكل للاتفاق مع الحريديم فقط.
من الواضح أن ليبرمان اختار طريق التحدي لنتنياهو ومن جهة اليمين، الأمر الذي قد يترك أثرًا ويدفع المعارضة للسعي لإفشال نتانياهو مبكرا، وكذلك على موقف "البيت اليهودي" وستواجه الحكومة الإسرائيلية المقبلة تحديات عدّة منها أزمة غير مسبوقة في العلاقات مع الولايات المتحدة ومواجهة قضائية على الساحة الدولية مع الفلسطينيين، بالإضافة إلى الاتفاق الدولي حول البرنامج النووي الإيراني والتوترات مع الاتحاد الأوربي بسبب البناء الاستيطاني المتواصل في الأراضي الفلسطينية.
وقد كشفت مصادر إسرائيلية عن وثيقة سرية صاغها مندوبان يمثلان رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس محمود عباس حول دولة فلسطينية مستقلة منزوعة السلاح وتتوافق على قضايا جوهرية (وثيقة اسحق مولخو – حسين أغا) وتشمل تقديم مقترح لوثيقة مبدئية خاصة بالوضع الدائم، وأعدت لتكون أساسا للمفاوضات التي استؤنفت بواسطة جون كيري في يوليو 2013 وتشير الوثيقة إلى ما يلي:
- عودة اللاجئين إلى أراضي 1948 على أساس فردي.
- إخلاء المستوطنين من الضفة وإبقاء بعض المستوطنات تحت السيادة الفلسطينية.
- عودة اللاجئين ضمن تسوية عادلة ونزيهة وتنسجم مع فكرة دولتين لشعبين.
- تأسيس صندوق عالمي للنظر بدعاوي امتلاك وتعويض وتقدم إسرائيل حصتها ودول عربية.
وأثار الكشف عن الوثيقة ردود فعل إسرائيلية استغلتها بعض الأحزاب المتنافسة للمزايدة على رئيس الوزراء نتانياهو في الدعاية الانتخابية وهو ما سيلقي بتداعياته على مؤشرات التصويت للأحزاب اليمينية تحديدا والليكود علي وجه الخصوص حيث ما زال رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه بتحديات حزبية وسياسية عديدة تتجاوز أجواء الانتخابات التشريعية وتصب في إطار علاقات إسرائيل الإقليمية والدولية، خاصة مع الكشف أيضا عن مبادرة يحملها مبعوث الأمم المتحدة وقبلت بها حركة حماس عقب عدة لقاءات تمت بين المبعوث الأممي وقيادات من حركة حماس للتوافق بين الحركة والحكومة الإسرائيلية حول إقرار هدنة طويلة الأمد تصل إلى 15 عاما على أن تبدأ بـ3 أعوام، مقابل بدء مشروع إعمار قطاع غزة ورفع الحصار عن القطاع وتثبيت الهدنة على الأرض برعاية دولية وبتوافق إقليمي قطري بالأساس.
وعلى المسار الأمريكي تشير مصادر أمريكية رسمية عن أن الإدارة الأمريكية ستعمل علي بلورة تفاهم جديد لإحياء مفاوضات الشرق الأوسط، وأن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سيقوم مجددا بجولة أمريكية لبناء التفاهم السياسي الجديد الذي يستهدف وضع رؤية قبل نهاية ولاية الرئيس أوباما، وقد جاء هذا الإعلان عقب استمرار حالة الاحتقان بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بعد لقاء رئيس الوزراء نتانياهو خطابه في الكونجرس برغم الاعتراضات الإسرائيلية الداخلية والصراع داخل الكونجرس بين الجمهوريين والديمقراطيين على الأولويات والمهام والعلاقة الأمريكية الإسرائيلية على مستوى الشراكة الإستراتيجية وابلاغ الرئيس محمود عباس الولايات المتحدة واللجنة الرباعية بوقف التنسيق الأمني، وهو ما سيدفع السلطة للتعامل الميداني على الأرض وسيلزم الإدارة على أداء دور مباشر للتقارب بين الطرفين في المرحلة المقبلة، إذ إن القرار الفلسطيني في حال تنفيذه فعليا انتهاء لاستحقاقات أوسلو الرسمية.
ومن الواضح أن الإدارة الامريكية ستتحرك في الفترة المقبلة على أساس ما يلي:
- لن تغامر الإدارة الأمريكية بالضغط المباشر في الوقت الراهن على أي جانب وستترك فرصة التقاء بين الجانبين خاصة وأن الرهان الأمريكي الإسرائيلي بأن الرئيس محمود عباس قد يستخدم ورقة إيقاف التنسيق الأمني للضغط على إسرائيل لاستئناف المفاوضات بشروطه.
- ستتواصل اللقاءات الأمنية والإستراتيجية بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني بدعم أمريكي ولن تنقطع بين الجانبين، وسيتبع الطرفان سياسة الباب الموارب لإتمام الخطوة اللاحقة في استئناف المفاوضات خاصة وأن الولايات المتحدة تشترط قبول الجانب الفلسطيني بما سوف يطرح من قبل الجانب الأمريكي مسبقا.
- ستربط إسرائيل قبولها بأي استئناف جديد للمفاوضات بدعم أمريكي لمصالحها في تأمين حدودها وعدم تهديد أمنها وحسم بعض المسائل المعلقة، كما سيعمل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على طرح بعض البدائل أمام الجانبين في إطار صفقة جديدة تتجاوز المعلن تربط الأمني بالسياسي والاتفاق المرحلي بالدائم في إطار مراجعة كاملة لما سيتم الاتفاق بشأنه في المرحلة المقبلة.
- ترى إدارة أوباما في الوقت الحالي أن رعايتها للمفاوضات تقدم فرصة قسرية للمفاوضين الفلسطينيين والإسرائيليين لتسوية الصراع المشترك، مع تحديد آلية الأداء للولايات المتحدة بأنه لا يمكنها فرض الحلول على الطرفين الفلسطينيين والإسرائيليين، وأنهم وحدهم قادرون على أن يجدوا حلًا مرجعيًا.
كما ترى الإدارة الأمريكية أن ترسيم الحدود سيوضح أين سيسمح لإسرائيل أن تبني، وأين ينبغي أن تجمد البناء كون هذه المستوطنات لن تكون جزءًا من إسرائيل في اتفاق مستقبلي، ومن الواضح أن اقتراح الإدارة الأمريكية قد حظي مسبقا بقبول فلسطيني مبدئي بشأن ترسيم الحدود كمرحلة أولى في المحادثات حال استئنافها.
ثالثاً- الموقف الإسرائيلي .. حل الصراع من الداخل
إن المراجعة السياسية والاجتماعية لمستقبل إسرائيل يتطلب منا قراءه واعيه لراهن هذه الدوله وما تعيشه في هذا التوقيت استقراء لرصد وتحليل واستشراف علاقتنا الدولية مع هذه الدولة، ولعل يمكن أن يستمر الصراع العربى الإسرائيلي لسنوات طويلة بدون "حل" ولعل المصلحة العربية فى استمرارالصراع من دون أفق "حل" فى ظل الخلل الهيكلي في موازين القوى بين العرب وإسرائيل وانهيار منظومة التوازن بعد تتالي سقوط الجيوش العربيه تباعا ولم يعد سوى الجيش المصري وحده في مضمار المواجهة العربية الإسرائيلية أن تدر للطرفين الواجهة المرتقبة، ومن ثم فإن الحديث عن تسويه للصراع أو إيجاد حل أو حسم الملفات العالقة سواء المرحلية أو النهائية ليس بالأمر الهين، بعد أن اختبر الطرفان حلبات التفاوض والصراع دونما جدوى، وفي ظل فشل الوساطات والمؤتمرات والمرجعيات الدولية من مدريد إلى أوسلو ومن واي ريفر إلى أنا بوليس، ومن المفاوضات الثنائيه لمتعددة الأطراف يظل الطرفان يبحثان عن أفق للتسوية التي تحتاج لقرارت حاسمه وقيادات من نوع آخر ومناخ وأجواء غير عادية، وفي ظل ضغط دولي وإقليمي غير متوافر وفى ظل قناعات لكل طرف لن يتخلى عنها بسهولة ما لم توجد اليات الجبر والضغط والمقايضة وحسابات الكسب والخسارة.
إن المتابع المدقق لمراكز البحوث السياسية والإستراتيجية ومراكز صنع القرار يكتشف حالة من الفزع والهلع لما يجري على الجانب الآخر العربي، وسعي إسرائيل للارتكان للخيارات العسكرية على الحلول السياسية والحنين للمواجهات القادرة على الحسم برغم عدم وجود من يحسم سياسيا وعسكريا وبدليل ذهاب إسرائيل لانتخابات مبكرة للتعامل مع الملفات العالقة، وليس إيران فحسب بل سائر التهديدات الأخرى الإقليمية وفي ظل مخاوف من مواقف مترددة أو تهميش دور إسرائيل فى أية تحولات إستراتيجية في المنطقة مما ينعكس في نهاية المطاف على العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ليس في ملف العلاقات الآمن وإنما في ملفات مثل الشراكة الأمنية والعسكرية والاستخبارات ومعاملات إسرائيل في نطاق حلف الناتو.
وفقا لذلك فإن إسرائيل قد تضطر بالفعل للخروج الأمن من الضفة على غرار غزة وتنفيذ انسحابات أحادية الجانب برغم مشروعات الاستيطان والتهويد وغيرها خاصة وأن الأمر ينظر إليه في هذا التوقيت على أنه مكلف لإسرائيل في ظل تصاعد الضرائب المتراكمة وغلاء المعيشة وانهيار منظومة الأمن الاجتماعي، وتتالي ظاهرة الاضرابات والاعتصامات بما قد ينال فعليا من المشروع الصهيوني الذي بدا لسنوات عصيا على التهديدات أو التراجع.
ولا شك أن الانسحابات من ياميت وجنوب لبنان وغزة سيدفع لامحاله لانسحابات أخرى برغم كل ما يقال ويتردد ويشاهد، فالمواطن الإسرائيلي بات يسأل وعن حق ما جدوى احتلال الأراضي العربية وأين الأمن الذي تحدث عنه قادة الدولة؟ ولماذا تقف إسرائيل بعد كل هذه السنوات في مفترق طرق عن اتخاذ قرارها السياسي والأمني والإستراتيجي فهي الدولة التي التحقت بمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، ومع ذلك تعاني من أزمات اقتصادية، وتبحث عن إستراتيجية تنمية مستدامة، ومع ذلك تصارع من أجل ادخال الحريديم الجيش والمؤسسات العسكرية وتنهار رؤيتها مع طرح قانون (طال) ولا تعرف حسما لقوانين مثل الولاء والانتماء والنكبة وغيرها، وتعاني خللا اجتماعيا وسياسيا طال وأقليات مع تجذر شرائح المجتمع بصورة مفزعة مما أنهى واقعيا فكرة الصهر والبوتقة والكيان الموحد الذي حلم به الرئيس بن جوريون ودشن خطواته مع قيام الدولة.
والآن لا جدال في أن المشروع الصهيوني بأكمله في حاجة لمراجعة كاملة، وسيرتبط ذلك بقدرة إسرائيل على الاستمرار كدولة مقبولة وليست منبوذة في محيطها والاستيعاب في حاجة إلى شروط ربما لم يحدث عليها إجماع سياسي ومجتمعي وإيديولوجي فب إسرائيل حتى الآن، فالضغط على إسرائيل يتم الآن من جهات عدة، وإسرائيل التي كافحت سنوات للبقاء عاجزة اليوم عن الحصول على مشروعية وجودها، وتعاني عزلة دولية كبيرة ولهذا سعت إلى بناء تحالفات جديدة في محيط آخر، فاليونان بدلا من تركيا وقبرص منفذ بحري جديد والبلقان ساحة دبلوماسية واستخباراتية عوضا عن المتوسط والشرق الأوسط الراهن والذهاب لأفريقيا للتلويح لمصر في ملف المياه والوجود في دول ناشئة مثل جنوب السودان ومن قبلها في إريتريا إشارة مهمة للاقتراب من الأمن القومي العربي مع الوجود الأمني والمعلوماتي والاستخباراتي في البحر الأحمر والمتوسط وبالقرب من قناه السويس والممرات المائية.
ليس إذن بغريب أن تصدر تقديرات متشائمة عبر عنها بقوة شعبة التخطيط بهيئة الأركان العامة من أن إسرائيل تواجه وضعا غاية في الصعوبة وفي ظل تآكل وانهيار المواقف الآن دوليا، مما يتطلب التصدى بقوة للتحديات العسكرية والسياسية والانتباه لقوة الردع بعد حالة من الاستفزاز والتردد، خاصة وأن هذه التحديات ستكلف إسرائيل الكثير على مستوى صنع قرارها السياسي الداخلي والخارجي، ولهذا يطالب السياسيون السابقون والجنرلات بضرورة رصد التهديدات وحسمها والتعامل معها والانتباه إلى أن الشرق الأوسط يتغير، وأن الشعوب العربية تسترد حريتها وكرامتها وفي هذا التحول خطر أكبر على إسرائيل والتي ستجد نفسها محاطة بتهديدات قد تؤثر على وجودها بالأساس.
ويبقى السؤال الذي يحتاج لإجابة: ماذا عن جيش الدفاع الإسرائيلي الذي كان في مرتبة عسكرية متقدمة يتوقف عند حدود معينة لا يبارحها، ويعاني من أزمات السياسة والحكم وعدم وضوح الرؤية وتباين الأهداف والتشتت في المواقف والعجز عن اتخاذ القرار (حرب على لبنان أم ايران أم استمرار الضربات على غزة) أم التعامل مع تهديدات التنظيمات الموجودة في سيناء كيف فشل الجيش في استيعاب الإمكانات والقدرات العالية وأين خطط تطوير القدرات وماذا عن سلسلة المناورات الدورية؟
لقد فقدت إسرائيل المناعة القوية التى تحدث عنها الجنرلات في سلسلة مؤتمرات هرتسيليا الدورية أصبحت إسرائيل في خطر، فماذا عن الردع المقابل أن المقاومة العربية تعاملت بذكاء وحرفية مع إسرائيل، وحسمت المواجهة لصالحها ولم تعد هناك حدود آمنة، ووقف الجيش الإسرائيلي في موضع المتفرج وهو يجد الطائرات من دون طيار المتواضعة الإمكانات تخترق دفاعاته وتصل إلى منشآته العسكرية.
نعم تبدو إسرائيل برغم ك قدراتها وإمكاناتها مجتمعا ودولة عاجزة عن اتخاذ مواقف حاسمة سياسية وعسكرية برغم التسليم باستعدادتها الإستراتيجية، فإن الجانب الآخر على المستوى العربي يطور دفاعاته وإمكاناته، فالاحتلال ولّد المقاومة والمقاومة ولدت الخطوات الوقائية والقيود والاعتبارات التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار.
وقد اتضح أخيرا من توجهات الأحزاب التي شاركت في الانتخابات الإسرائيلية أنه لا توجد فجوة كبيرة في الموضوع السياسي، وخاصةً ما تعلق بالقضية الفلسطينية بين البرنامجين الانتخابيين للكتلتين المتنافستين - اليمين المتعصب بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، والتيار الصهيوني بقيادة هيرتسوغ - حيث إنه لا يوجد اختلاف كبير بينهما فيما يتعلق بقضايا الحل النهائي: الاستيطان والقدس والحدود واللاجئين.
وبشأن التعامل في ملف الاستيطان، فإن الليكود يريد تكثيف البناء في الكتل الاستيطانية التي تقسم الضفة الغربية إلى كانتونات معزولة عن بعضها بعضًا، والابتعاد قليلًا عما يسمونه المستوطنات المعزولة… لكن الملاحظ، أيضًا، أنه خلال حكم نتنياهو فإن التركيز الاستيطاني كان في منطقتين أساسيتين: المنطقة الأولى هي ما يطلق عليها القدس الكبرى، وبشكل خاص أراضي القدس الشرقية التي احتلت في العام 1967. والمنطقة الثانية هي التجمعات الاستيطانية في الضفة الغربية.. إذن لا خلاف جوهريًا بينهما في هذه القضية.
وفيما يتعلق بقضية اللاجئين، فالموقف بينهما متطابق بشك كامل عبر الرفض التام لإمكانية عودة اللاجئين، مع نفي مسئولية الاحتلال عن هذه القضية.
وبالنسبة للحدود، فالمواقف بينهما شبه متطابقة أيضًا، وإن كانت هناك بعض الرؤى المختلفة قليلًا، ولكن ليس إلى حد القبول بحدود العام 1967.
وقد جاء رد الفعل الفلسطيني علي نتائج الانتخابات الإسرائيلية في ظل غياب القضية الفلسطينية عن الحملة الانتخابية وتواريها خلف الملفين السابقين الأكثر حيوية، وإلحاحًا من وجهة نظر الجمهور الإسرائيلي وقادته، وحتى عندما طرح المعسكر الصهيوني برنامجه السياسي تبنى أطروحات يمينية لا لبس فيها، ومنذ أيام زار زعيمه إسحق هيرتزوغ تكتل غوش عتصيون قائلًا إنه سيبقى ضمن حدود إسرائيل مع التكتلات الاستيطانية الكبرى، بما في ذلك مستوطنة أو مدينة معاليه أدونيم ومتبنيًا في السياق مدخل اجتماعي لتبرير عدم البناء أو الصرف على المستوطنات خارج الكتل الكبرى.
حيث لم يظهر الجانب الفلسطيني أي حماس أو أمل تجاه الانتخابات الإسرائيلية، ولم يهتموا كثيرا بمن سيفوز لأن هذه الانتخابات تتم في وقت صعب بالنسبة لهم، حيث إن إسرائيل تحتجز منذ يناير أكثر من 100 مليون دولار من عائدات الضرائب التي تجمعها نيابة عن السلطة الفلسطينية، وما لهذا الأمر من تأثير سلبي على الاقتصاد الفلسطيني، فضلا عن مصادرة الأراضي ومواصلة التوسع في المستوطنات اليهودية.
كما يمكن تفسير هذه اللا مبالاة الفلسطينية هذا التحول الكبير الذي حدث في إسرائيل نحو اليمين على مدى العقد الماضي، ومن ثم لا يرون في إسرائيل الآن معسكر سلام قابلا للحياة. أن الرسالة المقصودة من هذا الموقف الفلسطيني هي أنه إذا استمرت إسرائيل في رفض سحب قواتها والمستوطنين من الأراضي المحتلة فسيتعين عليها أن تضطلع بالواجبات التي يفرضها القانون الدولي على المحتل من رعاية رفاهية الشعب الفلسطيني وما يترتب على ذلك ماليا وأمنيا.رابعاً- المسارات المستقبلية للصراع العربي الإسرائيلي
لقد اتسم الصراع العربي الإسرائيلي بأنه صراع اجتماعي ممتد وبكونه ذو طبيعة هيكلية ولعب فيه ميزان القوي دورًا مهما على أساس أنه صراع مركزي وجودي وإحلالي، وبالتالي فإن السؤال هل تتغير خصائص الصراع التاريخي في هذا التوقيت مع التطورات العربية الجارية والمتوقع أن تلقي بتداعياتها على مستقبل الصراع على كل المستويات؟
إن الإجابة عن ذلك تتطلب مزيدا من التحليل حول طبيعة الصراع في ظل الأجواء العربية الراهنة وما سوف تنتهي إليه لتحديد مستقبل هذا الصراع وذلك على النحو التالي:
1- أنه لا تزال مصادر التهديد العليا والقائمة والمحتملة قائمة بين الدول العربية وإسرائيل، ومن ثم فإن الحديث عن انتفاء المخاطر الإسرائيلية واتجاه الدول العربية إلى التفاوض الحتمي ودخول الفلسطينيين تحديدا في مفاوضات جارية لا يعني أن الأمر حسم، وأن مرحلة إدارة الصراع تستمر ولكن بآليات أخرى مع التوقع بأن إسرائيل لن تسقط خياراتها العسكرية، وستستمر تطالب ببناء إجراءات ثقة لسنوات طويلة حتى بافتراض التوصل لاتفاق نهائي حاسم، وهو أمر مستبعد في هذا التوقيت، إذ إن كل ما تبحث عنه إسرائيل كدولة وليست حكومة اتفاق سلام مرحلي غير حاسم يأخذ سنوات طويلة في تطبيقه حيث لا تزال السياسات الدفاعية لإسرائيل تأخذ دائما على محمل الجد احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق ليس فقط على مستوى دول المواجهة، ولكن أيضا في مواجهة احتمال تحالف عسكري واسع يضم مصر والأردن أيضا، بل ودول إسلامية مثل إيران وتركيا وباكستان.
2- إن التطورات العربية الراهنة ستفرز أحد نموذجين للتعامل مع إسرائيل
الأول: وهو الواضح حيث لا يمثل الصراع أولوية مطروحة، وأن قضايا الداخل ستفرض نمط التعامل، ومن المتوقع استمرار ذلك لسنوات طويلة إلى حين تهدأ أو تستشعر نمط الحكم، وسيأخذ هذا الأمر سنوات طويلة في ظل حالة الحراك السياسي والجماهيري ومناخ عدم الاستقرار الداخلي، وفى ظل افتقاد الرؤي المجتمعية والسياسية، وعدم وجود رؤية لنظام الحكم برغم الاتجاه لبناء مؤسسات واستبدال النخب وإقرار صيغ جديدة من دساتير ومؤسسات جديدة للبناء الديمقراطي، وينطبق هذا على مصر باعتبارها أحد الدول المركزية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، الثاني: حيث يعطي الأطراف العربية وتنظيمات المقاومة الفلسطينية في حال تأثيرها المباشر جراء تطور العلاقات الدولية من حولها (التقارب الأمريكي الإيراني) وبناء إسرائيل لإستراتيجية التقارب مع واقع المفاوضات إلى تغيير حدود الصراع والخروج به من دائرة الثبات والتعايش والإدارة إلى مسار مواجهة غير منضبطه يحددها التحالف (قوى التنظيمات الفلسطينية- إيران) مثالا مما يدفع المنطقة لاختبارات جديدة منها شكل المواجهة/ التسوية الجديدة .
وتشير أغلب المصادر الإسرائيلية وفي المقابل إلى أن التطورات العربية الجارية ستتجه إلى عدة مسارات لتحكم مسار الصراع العربي الإسرائيلي:
الأول: نجاح الثورات والانتفاضات الشعبية في تحقيق تغيرات جذرية في المنطقة العربية، وتؤدي لصعود قوي وطنية وإسلامية وعلمانية وبشكل يؤدي إلى قيام مشروع عربي إسلامي متكامل يغير من قواعد اللعبة السياسية ويرتبط ذلك بما يلي:
- فشل تجربة الإسلام السياسي في دولة مركزية مثل مصر، وتعثر تجارب أخرى في تونس وليبيا، وبالتالي فإن الرهان على أن تجربة الإسلام السياسي قد تنجح بعد إعادة إصلاح تجربتها ومراجعة توجهاتها مرتبط بعدة آليات، وهي قدرة هذه الجماعات على العودة من جديد وتقديم ذاتها للرأي العام وإتمام مراجعات جديدة وبناء مشروع جماهيري وإجراء مصالحة تاريخية ربما تأخذ سنوات في ظل واقع سياسي جديد في دول التحول السياسي.
- إن موازين القوى في المنطقة ستستمر على حالها: عالم عربي منقسم ومشتت، واستمرار الصراع على حالة مع إدارته بأنماط مباشرة في ظل حالة الخلل الهيكلي الراهن مع تحقيق الحد الأدنى من التفاهم عبر صيغ للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ولحين حدوث نقلة نوعية في مسار التفاوض، وهو ما يراه الإسرائيليون مرتبطا بالتحولات الهيكلية في دول مركزية للصراع.
الثاني: نجاح مرحلي للثورات والتطورات يؤدي إلى تحسين ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية دون أن ينشغل بعملية الصراع ومساراته مع إسرائيل أو أن يسعى لتغيير موازين القوى في المنطقة أو السماح لقوى المقاومة، وسيرتبط ذلك بما يلي:
- نجاح دول المواجهة في الخروج من الأزمات الداخلية المتصاعدة وبناء مرحلي وجزئي للمؤسسات واستقرار الأوضاع السياسية، وتحقيق الحد الأدنى من المتطلبات الاقتصادية بما ينجح معه مسار التحول وعودة التوافق العربي على الأقل على مستوى المواجهة مع إسرائيل مع التنسيق في التعامل مع التهديدات الإقليمية الأخرى.
- قدرة إسرائيل على التعامل مع مسار التحول وخاصة في بناء علاقات أكثر توازنا مع دول مثل مصر والأردن، مع استمرار الأوضاع مع سائر الدول العربية على ما هي عليه.
الثالث: فشل التطورات العربية في تحقيق أهدافها وعودة الأنظمة الراهنة والمحتملة لتقديم نفسها من جديد مما يجعل إسرائيل تعيد منظومة تعاملاتها على النموذج التاريخي للعلاقات العربية الإسرائيلية، وستستمر حالة الاستقرار في توجيه مسار الصراع العربي الإسرائيلي وسيرتبط ذلك التصور بما يلي:
إن التعامل مع إسرائيل ليس "أولوية متاحة" أو "ذات قيمة إستراتيجية" وإنما هي قضية مرحلية ولا تأتي على الأولويات الراهنة، حيث لا تبرر المتطلبات الملحة للتعامل مع الصراع في ظل حالة الخلل الإستراتيجي والامني الراهن، وأن إسرائيل لن تبادر بالمواجهة ولن تتبنى المواجهة على أساس أن أمن إسرائيل يتحقق من دون مواجهات.
خامساً- اتجاهات مقترحة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي: إشكالية العمل
سيواجه الصراع العربي الإسرائيلي عدة مستويات بالنظر إلى التعامل مع الإشكالية الفلسطينية، والإقرار بأن المفاوضات الحالية ستسفر عن دولتين احداها فلسطين على حدود 1967 مع القبول بتغييرات يتفق عليها بين الأطراف من خلال مقايضة الأرض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما تتفق عليه اللجنة الرباعية مع إبقاء الأمر قابلا للتفاوض بين الأطراف والكيان الفلسطيني المأمول يجب حسب مشروع نتانياهو أن يكون نزع السلاح ولا سيطرة على إقليمه الجوي وحدوده خاضعة للمراقبة مع تأمين حدود الدولة والإبقاء في الأغوار (غور الأردن)، وهو الأمر الذي يشير إلى أن مسار الصراع العربي الإسرائيلي ستحكمه عدة اتجاهات في السنوات المقبلة ونشير إلى ما يلي:الاتجاه الأول
التوصل إلى واقع عربي إسرائيلي جديد على مراحل يقر بواقع فلسطيني للضغط، ويقوم على حصول إسرائيل على 70% من الأراضي والموارد وحصر الجانب الفلسطيني في الجزء المتبقي من الأراضي لمشروع تسوية شبه نهائية، وسيحتاج لضغط أمريكي إسرائيلي وتنازلات فلسطينية من السلطة مع قبول مستتر من تنظيمات المقاومة واكتفائها بدور في القطاع حتى إشعار آخر مع التأكيد على عدم التزامها بنتاج أي تفاوض.
الاتجاه الثاني
الحفاظ على توجه القوى الدولية بترك مصير الكيان الفلسطيني المرتقب وما ينجم عنه للمفاوضات بين الطرفين، وبدعم أمريكي مباشر خاصة وأن هناك تعثرا في التحرك الفلسطيني والاكتفاء بالتلويح بالعودة للأمم المتحدة واستكمال استحقاقات العضوية الكاملة بعد دخول نظام المحكمة الجنائية، وهو أمر سيحتاج في حال فشل المفاوضات الراهنة لضوابط محددة ومنهاج تفاوض جديد، بالإضافة لرصد وتحديد التفاوض ارتكانا لموقف منحاز سلفا.
الاتجاه الثالث
استثمار الأجواء العربية الراهنة والتي لا تزال غير واضحة ولم تستعد بعد وتوجيه الأولويات العربية – العربية لقضايا أخرى تضع الصراع العربي الإسرائيلي في درجة تالية.
الاتجاه الرابع
إن موازين القوى العسكرية والسياسية لا تعمل لصالح القضية الفلسطينية وبالتالي فإن إدارة الصراع ستستمر في ظل الاتفاق على ضرورة بقاء الكيان التفاوض الراهن في موقعها مع عدم السماح بتقديم أية تنازلات في ظل واقع عربي يشير إلى أن المشروع الإسرائيلي تتم مراجعته الآن، وأنه يعاني من أزمات حقيقية وأن إسرائيل لن تجرؤ على توقيع اتفاق سلام في هذا التوقيت.
المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط