المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

الغباء السياسى والسقوط التاريخى!

الخميس 13/نوفمبر/2014 - 10:31 ص

هل يجوز من باب لغة التحليل العلمى أن نتحدث عن الغباء السياسى لبعض القادة والزعماء، أو لبعض الأحزاب السياسية أو الحركات الدينية؟

يبدو أن التحليل المقارن للنظم السياسية ولسلوك بعض القادة والزعماء فى مشارق الأرض ومغاربها يدفعنا دفعاً إلى التسليم بأن وصف «الغباء السياسي» بالغ الدقة فى مجال تقييم بعضهم. ولنأخذ أمثلة متعددة من الماضى والحاضر. كيف يمكن توصيف سلوك «هتلر» زعيم النازية الأشهر فى مشروعه للهيمنة على كل بلاد القارة الأوروبية من خلال حملات عسكرية خاطفة إلا بالغباء المطلق؟ كيف تصور «هتلر» أنه يمكن أن يحارب كل الدول الأوروبية وينتصر عليها، وكذلك على الولايات المتحدة الأمريكية التى دخلت الحرب ضده متأخرة شيئاً ما؟.

لم يدرك هذا الزعيم المتطرف أن مشروعه مضاد لمنطق التاريخ، ولذلك هزم هزيمة ساحقة أدت إلى انتحاره فى برلين هو وحليفه موسولينى زعيم الفاشية، الذى أطلق عليه أحرار إيطاليا النار فقتلوه شر قتلة بعد الهزيمة المدوية لدول المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان)!.

وقعت هذه الأحداث فى الحرب العالمية الثانية التى انتهت عام 1945، وكان من المفروض بعد استيعاب دروسها القاسية- أن يسود السلوك العقلانى الرشيد فى مجال عملية اتخاذ القرار التى يقوم بها القادة والزعماء.

إلا أننا وجدنا نموذجاً بارزاً على الحماقة السياسية فى سلوك «جورج بوش» الابن الذى أعلن -كرد فعل على أحداث سبتمبر الحرب ضد الإرهاب، والتى أعلن أنها حرب لا يحدها زمان ولا مكان! وتعجل هذا الرئيس الأمريكى الأحمق الذى كان يزعم أنه يستوحى قراراته من الله سبحانه وتعالى بشن الحرب على أفغانستان لإسقاط نظام طالبان، لأنه آوى «بن لادن» الذى نسب إليه تخطيط الهجوم الإرهابى على الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ذلك ارتكب حماقته الكبرى بغزو العراق لإسقاط صدام حسين.

وهذه الحالة تقربنا من العالم العربى لكى ندرس حالات الغباء السياسى البارزة. ولا شك أن «صدام حسين» من ناحية، والعقيد «معمر القذافي» من ناحية أخرى، يقدمان لنا أمثلة بارزة على الغباء السياسي! «صدام حسين» الذى صفى قادة حزب البعث وانفرد بالحكم ورث دولة غنية بالموارد الطبيعية وبالنفط وبالقوى البشرية المبدعة، ولكنه أضاع كل هذا وغامر بحرب لا سبب لها ضد إيران استمرت ثمانى سنوات سقط فيها مئات الألوف من الضحايا من الجانبين، وخسرت العراق موارد هائلة. ولكنه لم يكتف بذلك ولكنه قرر فجأة غزو الكويت بدون مقدمات، مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تنظم تحالفاً دولياً لإخراجه من الكويت وهزيمته ثم حصار العراق بعد ذلك.

ولو انتقلنا إلى حالة العقيد «معمر القذافي» لوجدنا حالة نموذجية للغباء السياسى. فقد ورث دولة غنية بالنفط الذى يجعل ليبيا لا تحتاج إلى أى معونات خارجية، ولكنه تعمد القضاء على كل مؤسسات الدولة الليبية بما فيها الجيش. وترك البلاد فى أيدى «اللجان الثورية» التى عاثت فى الأرض فساداً، وأخطر من ذلك دخوله فى مغامرات إرهابية متعددة وحروب إفريقية فى تشاد، وكلها انتهت بهزائم ساحقة جعلته محاصراً من النظام الدولى، حتى اضطر إلى الرضوخ لأوامر الولايات المتحدة الأمريكية بالكامل.

انتهت حياة «صدام حسين» بالحكم عليه بالموت شنقاً، وانتهت حياة «القذافى» بقتله من قبل الثوار شر قتلة.

ولو انتقلنا من الشخصيات السياسية -قادة أو زعماء- إلى مجال الأحزاب السياسية والحركات الدينية لاكتشفنا أن ظاهرة الغباء السياسى فى سلوك بعضها موجودة ولا شك. غير أن خطورتها تكمن فى أنها يمكن أن تؤدى إلى الانهيار الكامل للحزب أو التصدع الشديد فى الحركة الدينية. وهذا الانهيار وقرينه التصدع يمكن فى حالات كثيرة أن يؤدى إلى ما نطلق عليه السقوط التاريخى.

يصدق ذلك على الحزب الشيوعى السوفيتى الذى حكم الاتحاد السوفيتى بعد نجاح الثورة البلشفية عام 1917 لمدة سبعين عاماً، كما أنه يصدق- ويا للمفارقة- على جماعة الإخوان المسلمين التى استمرت ثمانين عاماً، وقفزت إلى حكم مصر فى غفلة من الزمان حتى أزيحت من السلطة بعد عام واحد فقط، بعد أن قامت الجماهير بانقلاب شعبى ضدها فى 30 يونيو دعمته القوات المسلحة، مما أدى بها إلى السقوط التاريخى بعد فشلها السياسى الذريع.

وظاهرة السقوط التاريخى للأحزاب الحاكمة أو النظم السياسية تحتاج إلى تأمل عميق لاكتشاف الأسباب الداخلية للانهيار وكذلك العوامل الخارجية. ونستطيع فى حالة الاتحاد السوفيتى لو أردنا التعمق فى فهم أسباب الانهيار- أن نعتمد على مرجع نادر حقاً وهو الكتاب الذى ألفه السياسى والقيادى السوفيتى الشهير «جورج أرباتوف» الذى كان مديراً لمركز بحوث الولايات المتحدة وكندا وكان مستشاراً لعدة رؤساء سوفيت.

وعنوان كتابه النظام The System وله عنوان فرعى هو «نظرة مطلع من الداخل على السياسات السوفيتية» (نشرته راندم هاوس عام 1992).

وهو يحدد أسباب انهيار النظام السوفيتى فى عوامل داخلية أبرزها الجمود العقائدى فى مجال التطبيق الحرفى الجامد لماركسية لينين من ناحية، وفساد النظام من ناحية أخرى، والضغوط الخارجية من ناحية ثالثة.

ولو نظرنا لحالة جماعة الإخوان المسلمين لاكتشفنا أن سبب فشلها السياسى هو أيضاً الجمود العقائدى الذى ظهر فى الانطلاق من مبادئ جامدة، أبرزها تأسيس دولة دينية على أنقاض الدولة المدنية، والسعى لاسترداد نظام الخلافة الإسلامية، والهيمنة المطلقة على النظام السياسى، وعدم التسليم بأهم مبدأ من مبادئ الديمقراطية وهو التداول السلمى للسلطة. لأن قيادات الجماعة خططت لكى تبقى فى الحكم إلى الأبد، سواء باستخدام آليات الديمقراطية، أو باستخدام العنف ضد الخصوم السياسيين وقوى المعارضة.

ما حدث من «انقلاب شعبي» فى 30 يونيو كان إعلاناً جهيراً عن الفشل السياسى لجماعة الإخوان وسقوطها التاريخى. غير أنه مما يضاعف من هذا الفشل سلوك قيادات الجماعة بعد أن أسقطهم الشعب، والذى تمثل فى الأوامر التى أعطتها قيادات الجماعة لأتباعها لممارسة الإرهاب المنظم -ليس ضد منشآت الدولة فقط ولا ضد رموز السلطة من قوات مسلحة وقوات أمن فقط- ولكنه ضد الشعب نفسه! وذلك من خلال تخريب المرافق الأساسية كالكهرباء أو المواصلات، أو إثارة الشغب فى الجامعات وذلك سعياً إلى إسقاط النظام!.

وهذا الوهم أدى فى الواقع إلى تزايد السخط الشعبى ضد الإخوان المسلمين، وبذلك أضافوا إلى رصيدهم بعد الفشل السياسى والسقوط التاريخي- الكراهية الشعبية المتنامية لفكر الجماعة المتطرف ولسلوكها الإرهابى.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟