في معرض تحذيره من سقوط مدينة عين العرب السورية في أيدي مقاتلي «داعش»، شدّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على أن محاربة التنظيم لا يمكن أن تقتصر على غارات جوية، وأعاد تذكير الغرب بطلبه «تدريب المعارضين السوريين المعتدلين». وعندما يتحدث أردوغان عن «معتدلين» فمن البديهي أن يتبادر إلى الأذهان أنه يقصد «الإخوان» الذين تريد أنقرة تقديمهم بديلاً كفيلاً بمواجهة «ثقافة» قطع الرؤوس المثيرة للغثيان.
وتراهن تركيا على تحويل مصائب «داعش» فوائد لـ «الإخوان» في ظل مؤشرات إلى أن عواصم الغرب وفي مقدمها واشنطن لم تنفض يدها منهم بعد، وتسايرهم في أكثر من مكان، ولعل ليبيا خير مثال على ذلك. لا شك في أن ممارسات التنظيم الإرهابي حسّنت صورة سائر التيارات الإسلامية باعتبار أن «الضِدَّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ»، كما تقول القصيدة اليتيمة.
والمفاضلة مطروحة هنا بين «معتدلين» و»متشدّدين»، طالما يبدو مستبعداً خيار «العلمانية على الطريقة العربية»، أي الأنظمة العسكرية التي يقودها جنرالات بلا جيوش، كما أثبتت التجربة خلال 60 سنة من الصراع مع إسرائيل وبرهن عن ذلك عجزها الفاضح في مواجهة المعارضات المسلحة وعمادها القوى القادرة على حشد الجماهير لاستخدامها وقوداً في الصراع، في حين لا يملك ما تبقى من «العلمانيين» سوى ألسنتهم وفي أحسن الأحوال أقلامهم، ويتبرأون من علمانيتهم باعتبارها تهمة فيطلقون على أنفسهم تسمية «ليبيراليين»، ليتمايزوا عن «الإسلاميين».
والمفاضلة أمر واقع بين «تيارات التغيير» المنبثقة مما سمّي «الربيع العربي»، ذلك أن عودة عقارب الساعة إلى الوراء لا تبدو خياراً، وإن شكّلت التجربة المصرية استثناء باحتفاظ المؤسسة العسكرية العريقة بنفوذها، بدعم عربي وقبول غربي، فيما تبدو مستبعدة عودة منظومة الحكم السابق في ليبيا بأي شكل من الأشكال، ولا يعرف أحد بعد إذا كان النظام السوري سيتمكّن من الاحتفاظ بمواقع أو جزء منها في المعادلة المقبلة.
وتبدو طهران منخرطة أيضاً في لعبة المفاضلة تلك، ما بين الحوثيّين والفوضى في اليمن، وبالأحرى بين نظام يهيمنون عليه وآخر تطغى عليه صراعات قبائلية وجهوية ينحسر في ظلها مشهد الدولة أمام الضربات الدموية لـ «القاعدة». والمفاضلة أيضاً بين نظام يحظى برضى «حزب الله» في لبنان في مواجهة إرهاب خبيث لم يتوانَ عن استهداف الجيش اللبناني، المؤسسة الوحيدة التي تحول دون سقوط هذا البلد في براثن الفوضى.
ويأتي إعلان إيران الأسبوع الماضي عن توقيفها 130 تكفيرياً وإحباطها مخطط تفجيرات انتحارية وصفته بـ «كارثي»، تأكيداً لشراكتها «أمراً واقعاً» في الحرب على الإرهاب ... وأيضاً محاولة لتسليط الضوء على البدائل التي تراها متاحة من المشرق العربي إلى مغربه، مروراً طبعاً بغزة.
هذا من دون إغفال ذكر المواجهة المصيريّة التي أخذ الأكراد على عاتقهم خوضها مع «المتشدّدين» في عين العرب، مواجهة امتدت تداعياتها إلى عمق أوروبا حيث دارت معارك بين الجانبين في شمال ألمانيا ووقوف أبناء الأقلية الإيزيدية المهاجرة هناك، طرفاً فيها إلى جانب الأكراد. أضف إلى ذلك الاحتجاجات العنيفة للأكراد في تركيا للمطالبة بفتح ممر لهم للذهاب لمقاتلة «داعش»، التنظيم الذي حقق رقماً قياسياً في جمع اكبر عدد من الأضداد في مواجهته، في أقصر فترة زمنية ممكنة.
هكذا تطمح أنقرة إلى أن تكون خصماً وحكماً في آن، وتنحصر أحلام «الربيع» في البقاء على حافة الهاوية بدل السقوط فيها.
نقلا عن الحياة