المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

ســقوط أخلاقـى وانتهازيـــة سياســـــية!

الخميس 28/أغسطس/2014 - 12:01 م

كيف نفسر التحيز الصارخ لتقرير «هيومان واتش» فيما يتعلق بفض اعتصام رابعة المسلح الذى نظمته جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية عقب عزل مرسى؟

فى تقديرنا أن المسألة أبعد كثيراً من انحياز مؤسسة حقوقية غربية تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان فى كل مكان لمصلحة تيار إسلامى إرهابى على حساب مصالح الشعب المصرى الحيوية فى الأمن والاستقرار.

وقد عقد المركز العربى للبحوث فى مقره بالقاهرة ندوة مهمة لتحليل أبعاد التقرير المتحيز لجمعية «هيومان واتش»، شارك فيها الأساتذة «سعد الدين إبراهيم» و«نبيل عبد الفتاح» و«يسرى العزباوى» والشيخ «نبيل نعيم».

وكنت قد قررت الاشتراك فى الندوة لولا أن طارئاً صحياً عارضاً منعنى من الحضور. وأريد اليوم أن اقدم موجزاً لمداخلتى التى لم تتم والتى قمت فيها بالتحليل الثقافى لجذور ظاهرة التحيز فى الثقافة الغربية، بل العداء للشعوب العربية والإسلامية وشعوب العالم الثالث بوجه عام.

ونحن فى حديثنا عن الثقافة الغربية لا نميل إلى التعميمات الجارفة، لأنه فى كل ثقافة غربية كانت أو شرقية مسيحية كانت أو إسلامية نزعات سلبية تجاه الآخر المختلف، فى الوقت الذى نجد فيه تيارات أخرى تنتمى للثقافة نفسها ولكنها أكثر موضوعية وقبولاً للآخر المختلف.

وهكذا نجد اليوم فى صميم الثقافة الغربية سواء فى أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية تيارات تقدمية تنتصر لقضايا العالم الثالث وتدعم حقوق الشعب الفلسطينى ليس بالكلام فقط ولكن بالفعل.

غير أننا نتحدث فى الواقع عن التيار الغالب فى الثقافة الغربية، الذى نشأ تاريخياً فى عصر الاستعمار الغربى لمناطق متعددة فى أفريقيا وآسيا.

أراد الاستعمار أن يجد ذريعة أخلاقية تبرر غزوه البلاد المستعمرة وتدافع عن الفظائع التى ارتكبتها القوات الاستعمارية ضد الشعوب، فصاغ نظرية «عبء الرجل الأبيض» وتعنى بكل بساطة أن الرجل الأبيض -أو المستعمر بعبارة أخرى- عليه التزام أخلاقى بتمدين الشعوب البدائية التى أخضعها للاستعمار ونقلها من حالة الهمجية إلى حالة الحضارة!

مع أن التاريخ يثبت أن عديداً من البلاد المستعمرة لها تاريخ حضارى عريق حافل بالإنجازات التى أفادت منها البشرية جميعاً، سواء فى ذلك الحضارة المصرية القديمة أو الحضارة الصينية أو الحضارة الهندية أو الحضارة الأفريقية.

هذا هو التاريخ الاستعمارى الذى لم تستطع شعوب العالم الثالث تحرير نفسها من إساره إلا فى الخمسينيات فى حركة تاريخية أطلق عيها «القضاء على الاستعمار» decolonization.

إلا أن ميراث الخداع الاخلاقى القديم تحول عبر الزمن ليكون تياراً يطلق عليه «المركزية الغربية». وتعنى أن أوروبا خصوصاً والغرب الرأسمالى عموماً هو منبع القيم الإنسانية الرفيعة، وبالتالى تعرض عليه قيم الشعوب المختلفة فإذا قرر «المركز الغربى» أن هذه القيم متخلفة فهى كذلك، وإن ذهب إلى أن بعض القيم إيجابية ويمكن أن تبقى موجهة للسلوك فهى كذلك أيضاً.

بعبارة أخرى نصب الغرب نفسه باعتباره المشرع الأخلاقى العالمى، ومن هنا استمدت جمعيات حقوقية غربية متعددة الزعم بأنها المدافعة الأولى عن حقوق الإنسان. وتدخل مؤسسة «هيومان واتش» فى هذا الإطار.

غير أن المشكلة الحقيقية تكمن فى أن هذه المزاعم الغربية فى كون الغرب هو «المشرع الأخلاقى العالمى» وهو الذى يراقب خرق حقوق الإنسان فى العالم تحطمت على صخرة الوقائع التاريخية. التى تثبت أن دولا غربية متعددة وفى مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية تخرق حقوق الإنسان جهاراً نهاراً دون أن تتجه مؤسسة حقوقية مثل «هيومان واتش» وغيرها لإدانتها بشكل صريح وقاطع.

وحتى لا نتوه فى كثير من التفاصيل التاريخية يكفى أن نفتح سجل الخرق الفاضح الذى قامت به الولايات المتحدة الأمريكية لحقوق الإنسان بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر حيث تعرضت لهجوم إرهابى لا سابقة له.

لقد أعلنت الحكومة الأمريكية كرد فعل على ما حدث حربها ضد الإرهاب وهى حرب لا يحدها مكان أو زمان. وقامت بغزو أفغانستان لإسقاط نظام طالبان، وبعد ذلك تحولت إلى غزو العراق بحجة أنه يمتلك أسلحة دمار شامل، وذلك على الرغم من معارضة الدول الكبرى فى مجلس الأمن. قامت الحكومة الأمريكية بغزو العراق وسقطت مئات الألوف من الشعب العراقى قتلى وجرحى، وترتب على هذا الغزو تمزيق النسيج الوطنى العراقى وتحوله إلى دولة فاشلة. وقد أدت هذه التطورات إلى أن يقع العراق فى أسر حركات جهادية تكفيرية من أبرزها «داعش»، والتى غزت مناطق شاسعة من العراق وأخضعتها لما يسمى «الخلافة الإسلامية» فى ظل عجز شديد من قبل الحكومة المركزية فى العراق.

أين كانت «هيومان واتش» من هذه الأحداث الجسام؟

ولماذا لم تنتقد لجوء القوات المسلحة الأمريكية إلى تعذيب المتهمين بالإرهاب؟

وهكذا نرى أنه لا يمكن أن ننظر إلى التقرير المتحيز لمنظمة «هيومان واتش» عن فض رابعة إلا فى سياق تشريح القيم العدوانية التى يتبناها النظام الأمريكى -ولا فرق هنا بين الجمهوريين والديمقراطيين- فى سلوكه مع الشعوب الأخرى.

وقد أبرز التاريخ الدموى للولايات المتحدة الأمريكية منذ نشأتها حتى حرب فيتنام المؤرخ الأمريكى الشهير «هوارد زين» فى كتابه: «تاريخ شعبى للولايات المتحدة الأمريكية»، كتبه من وجهة نظر المقهورين والشعوب المستعمرة لكى يثبت أن هذه الدولة العسكرية ومؤسساتها الحقوقية المتحيزة مثل «هيومان واتش» تمرست بالمغامرات العسكرية الفاشلة وإن كان ذلك لم يمنعها من أن تمارس الانتهازية السياسية لكى تدافع عن المصالح الأمريكية، وبذلك فهى تسقط سقوطاً أخلاقياً مدوياً.

كان للولايات المتحدة الأمريكية حلف غير مقدس مع جماعة الإخوان المسلمين، فلما أسقطها الشعب فى 30 يونيو لم تتخيل سقوط مشروعها الاستعمارى لتفتيت الدول العربية وفى مقدمتها مصر، ولذلك لجأت لتشويه صورة 30 يونيو إلى «هيومان واتش» لكى تكتب تقريرها المتحيز عن فض «رابعة».

غير أن هذا التقرير المزور لن يغير من الحقائق التاريخية الثابتة، فقد خرج الشعب المصرى فى انقلاب شعبى دعمته القوات المسلحة لكى يقضى على الحكم الديكتاتورى لجماعة الإخوان الإرهابية. هذه هى كلمة التاريخ الحقيقية!

 

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟