المركز العربي
للبحوث والدراسات
رئيس مجلس الادارة
عبد الرحيم علي

المدير التنفيذي 
هاني سليمان
ads
السيد يسين
السيد يسين

نحو خريطة معرفية للديموقراطية

السبت 19/يوليو/2014 - 11:45 ص

لا حديث فى المجتمع العربى عقب اندلاع ثورات الربيع العربى يعلو على مطلب تحقيق الديموقراطية، غير أن تطبيقها بصورة صحيحة تقف دونه عقبات شتى معرفية وسياسية واجتماعية وثقافية.

وربما كانت العقبات المعرفية أهمها جميعاً لأنها تفترض معرفة النخب السياسية وكذلك الجماهير بمفردات الديموقراطية وإجراءاتها وقيمها وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية.

أما العقبات السياسية فتتمثل فى أن النخب السياسية العربية الحاكمة قاومت طوال عقود محاولات الإصلاح السياسى التى تصاعدت منذ عقد التسعينيات تحت ضغوط الخارج ومطالب الداخل. ومن هنا كان اندلاع ثورات الربيع العربى فى تونس ومصر وليبيا رد فعل لهذا الإرجاء المتعمد، والذى كشف عن الجمود الإدراكى للنخب السياسية الحاكمة وعجزها عن قراءة الواقع، والذى يتمثل فى تراكم السخط الشعبى نتيجة الافتقار إلى الحريات السياسية وانعدام العدالة الاجتماعية.

ومن ناحية أخرى فإن العقبات الاجتماعية تتمثل فى ارتفاع معدلات الأمية فى المجتمع العربى والتى تصل إلى 40% من السكان. وإذا أضفنا إلى ذلك تدنى الوعى الاجتماعى للجماهير العريضة وسهولة غزو عقولها بالخطاب الدينى المتشدد الذى يخلط خلطاً معيباً بين الدين والسياسة كما حدث أيام حكم الإخوان المسلمين فى مصر، لأدركنا أننا فى حاجة إلى مواجهة ثقافية شاملة لترسيخ قواعد الديموقراطية. ولكن ينبغى أن يسبق هذه المواجهة رسم خريطة معرفية للديموقراطية مكوناتها الأساسية هى مفردات الديموقراطية وإجراءاتها وقيمها وعلاقتها بالعدالة الاجتماعية. ونريد اليوم أن نتحدث عن مفردات الديموقراطية.

الديموقراطية ليست مجرد نظام سياسى أثبت نفسه بكفاءته وفعاليته فى سوق المنافسة العالمية التى دارت طوال القرن العشرين بين الفاشية والنازية والشيوعية والاشتراكية، ولكنها أسلوب حياة.

وفى ضوء هذه الملاحظات ينبغى التفرقة بين إجراءات الديموقراطية وقيم الديموقراطية. إجراءات الديموقراطية قد تتمثل فى الانتخابات وفى إجرائها بصورة دورية، إشارة إلى أن ممثلى الشعب ينبغى أن يتم اختيارهم من قبل الجماهير. غير أنه إذا جرت الانتخابات فى غيبة الالتزام بقيم الديموقراطية نصبح أمام موقف جدّ خطير.

ويمكن القول أن تجربة حكم الإخوان المسلمين فى مصر كانت نموذجاً للفصل بين إجراءات الديموقراطية وقيمها لأن قادة الجماعة استلموا السلطة بعد انتخابات ديموقراطية حقاً إلا أن الرئيس المعزول "محمد مرسى" سرعان ما قام بانقلابه الشهير على الديموقراطية.

ولا شك أن هناك قائمة طويلة تشكل مفردات الديموقراطية، وعلى رأسها احترام حقوق الإنسان واحترام التعددية.

ويمكن القول أننا نعيش فى عصر العولمة بتجلياتها السياسية والاقتصادية والثقافية والاتصالية. وشعارات العولمة المرفوعة هى الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والتعددية. وبغض النظر حول ما إذا كان احترام حقوق الإنسان قيمة مستقلة بذاتها أو هى من صميم مفردات الديموقراطية، فلا شك أنها أصبحت شعاراً عالمياً، يتمسك المجتمع الدولى بتطبيقه فى كل بلاد العالم.

وحقوق الإنسان تثير فى التطبيق مشكلات شتى وخصوصاً فى الوطن العربى، وذلك لأن الوضع السلطوى السائد أدى إلى مقاومة تطبيقها.

غير أن النظم السياسية العربية السلطوية لم تجرؤ على أن تعترض جهارا على تطبيق مواثيق حقوق الإنسان والتى وقعت على أغلبها، لذلك ومن قبيل المراوغة رفعت حجة الخصوصية الثقافية فى مواجهة عالمية حقوق الإنسان، ومحتوى هذه الحجة أنه مع التسليم بعالمية حقوق الإنسان إلا أنه فى التطبيق لابد من مراعاة الخصوصيات الثقافية للدول العربية والإسلامية، مما يمنع من تطبيق بعض قواعد حقوق الإنسان.

ولا شك أنه يقف فى مقدمة مفردات الديموقراطية حقوق الإنسان السياسية، وحق المواطنين فى الانتخاب الحر المباشر لمن يمثلونهم فى المجالس المحلية والنيابية.

وإعمال هذه الحقوق بشكل صحيح يمثل ضربة حقيقية لصميم بنية النظام السلطوى الذى يقوم على القهر السياسى للجماهير، والذى حين يريد أن "يتجمل" ويلبس أردية الديموقراطية، فإنه يلجأ إلى الاستفتاءات والانتخابات المزورة هروباً من قاعدة تداول السلطة.

غير أن حقوق الإنسان لا تتعلق فقط بالحقوق القانونية أو السياسية ولكنها – أكثر من ذلك – تتعلق بالحقوق الاقتصادية. وفى هذا المجال فإن الدولة السلطوية العربية التى تسيطر على عملية صنع القرار فيها العشوائية التى أدت إلى إهدار المال العام، بالإضافة إلى الفساد المنظم الذى تمارسه النخب السياسية الحاكمة، كل ذلك أدى إلى حرمان الجماهير العربية العريضة من حقها فى العمل المنتظم، وفى التمتع بالتأمينات الاجتماعية والصحية، والتى هى حق من حقوق الإنسان فى أى مجتمع معاصر.

غير أن احترام حقوق الإنسان ليس سوى جانب من جوانب شعارات العولمة السياسية، أما الجانب الثانى الهام فهو ضرورة احترام التعددية. والتعددية ليست تعددية سياسية فقط، ولكنها قد تكون تعددية دينية وعرقية ولغوية.

وهذا الموضوع بالذات لم ينل حقه من الاهتمام فى الفكر السياسى العربى الحديث والمعاصر، كما أنه فى الممارسة ارتكبت الدولة السلطوية العربية مخالفات شتى فى مجال حقوق الإنسان، وصلت فى بعض الحالات المتطرفة إلى ارتكاب جرائم ضد بعض الأقليات غير العربية.

ونحن نعرف جميعا أن المجتمع العربى يتشكل من أقوام متعددة على رأسها بالطبع العرب وهم الغالبية، غير أن هناك الأكراد فى العراق وسوريا، وهناك الموارنة فى لبنان. وهناك البربر فى الجزائر والمغرب، وهناك الأفريقيين المسيحيين فى السودان.

ونتيجة لغيبة سياسة قومية عربية تحدد سبل التعامل مع هذه الأقليات غير العربية فى ضوء احترام خصوصياتهم الثقافية، دارت معارك شتى فى العراق بين العرب والأكراد ولعبت الطائفية مؤخراً دوراً سلبياً أدى إلى توغل حركة "داعش" فى قلب المدن العراقية، وصور الصراع باعتباره يدور بين السنة والشيعة، وثارت مشكلات خاصة بالموارنة فى لبنان، وقامت دعوات ثقافية عميقة فى المغرب والجزائر تدعو لاستخدام اللغة الأمازيغية فى التعليم، واشتعلت حرب أهلية بين عرب الشمال وأهل الجنوب غير العرب فى السودان.

ولاشك أن جزءاً من مشكلة التعددية سياسية كانت أو دينية أو لغوية، هو غياب حرية التنظيم من ممارسات عديد من الدول العربية.

فبعض البلاد العربية تحرم إنشاء أحزاب سياسية، بل إنه فى ليبيا – على سبيل المثال – كان هناك شعار ذائع يقول من "تحزب خان"! مع أن التعدد الحزبى مكوّن أساسى من مكونات أى نظام ديموقراطى. وفى بعض البلاد مثل الكويت لا يسمح بتكوين أحزاب سياسية، ولذلك فالأحزاب السياسية الواقعية تستتر وراء جمعيات اجتماعية مشهرة قانوناً مثل "جمعية الإصلاح" أو غيرها. وفى بعض البلاد العربية التى ساد فيها نظام الحزب الواحد أيا كان أسمه، كان لا يجوز إنشاء أحزاب سياسية، كما كان الحال فى مصر الناصرية حيث كان الحزب الوحيد هو "الاتحاد الاشتراكى العربى"، ومثل حزب "البعث" فى كل من العراق وسوريا، والذى أحياناً ما كان يسمح بوجود أحزاب سياسية صغيرة غير فعالة تدور فى فلك الحزب الواحد، ليعطى ذلك انطباعاً بوجود تعددية سياسية مزعومة!

وحتى البلاد العربية التى تسمح بالتعددية السياسية مثل الأردن وتونس والمغرب، فإن ممارسات هذه الأحزاب تخضع عادة لإجراءات قمعية متعددة مباشرة وبصورة غير مباشرة أحياناً، وذلك لتقييد حركتها، ومنعها من التعبير الحقيقى عن المصالح الطبقية لجماهيرها.

ولذلك يمكن القول أن كفالة حرية التنظيم فى مجال الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى المحاصرة، مطلب أساسى من مطالب الديموقراطية فى الوطن العربى الآن. وحرية التنظيم بما تتيحه من تعددية سياسية من شأنها أن تجعل الانتخابات المحلية والنيابية آلية فعالة من آليات تداول السلطة.

وذلك لأن الظاهرة السائدة فى الوطن العربى هى ديمومة النخب السياسية الحاكمة فى ظل نظم سياسية لا تسمح إطلاقاً بتداول السلطة، وباستخدام آليات مختلفة غير ديمقراطية لتحقيق هذا الهدف. وقد أدى هذا الوضع إلى تجمد السياسات العربية، وظهور مراكز القوى السياسية، واحتكار السلطة والمال والنفوذ، بل وأدى إلى شيوع ظاهرة الفساد. ولذلك لم يكن غريباً أن تتصاعد فى العقد الأخير الدعوات العالمية لضرورة تطبيق قواعد "الحكم الرشيد" فى الوطن العربى Governance، باعتبار أن هذا النمط من الحكم هو الذى سيحقق قيم المثال الديموقراطى الذى تحدثنا عنه من قبل بكل مفرداته، فى ظل تطور المجتمع المعلوماتى العالمى، والذى يقوم أساساً على حرية تداول المعلومات والشفافية، التى تكفل للمحكومين – أيا كان نظام الحكم – أن يراقبوا أداء الحكام.

ومن الأهمية بمكان التأكيد أن تطبيق مفردات الديموقراطية بصورة صحيحة يدعونا إلى النظر إليها ليس كمجرد نظام سياسى، ولكن باعتبارها أسلوب حياة.

إرسل لصديق

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟

ما توقعك لمستقبل الاتفاق النووي الإيراني؟